فى سينما داوود عبد السيد، شئ ما يشبه الأغواء، يلخص العالم بأكمله فى لوحة سينمائية.. نشم فى أفلامه رائحة مصر، حواريها وأصوات أهاليها..فهو واحد ممن ينتمون لجيل الثمانينات فى السينما المصرية - مع خيري بشارة ومحمد خان وعاطف الطيب- والذين ساهموا إلى حد كبير فى طرح مفهوم جديد للسينما، برؤي غير تقليدية.
"داوود عبد السيد" واحد من هؤلاء، لكنه أشدهم ندرة في عدد الأفلام التي أنجزها طوال فترة عمله في السينما منذ السبعينات وعقب تخرجه من معهد السينما عام 1967 - وحتى الأن بدأها بعدد قليل من الافلام التسجيلية- ثم سبعة افلام روائية طويلة، أخرها فيلم "رسائل البحر" والذي يعود به "عبد السيد" الي السينما بعد غياب سنوات، منذ اخر افلامه "مواطن ومخبر وحرامي"، ويمثل مصر فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة فى مهرجان أبوظبى.
وفيلم "رسائل البحر"، واحد من أفلام قليلة، تجعلك تعود لمشاهدتها عدة مرات، تضطر للصمت ساعات أو ليوم كامل، وكأن داوود يمنحك فرصة للتأمل والإستمتاع بحالة الشجن والحب من خلال شخصياته الحية، والمسكونة بالأرواح الطيبة.
فيلم "رسائل البحر" يعتبر مرثية شعرية حانية لمدينة الأسكندرية - التى تحمل ماضى كوزمبيليتى- ، ويلخص فيها المخرج داود عبد السيد حالات التغير الإجتماعى التى طرأت علي المدينة، من خلال شخصية "يحيى" الشاب الذى قرر ترك عمله كطبيب، بسبب تلعثمه، ويصبح عاطل، يكتفى فقط بصيد السمك..يحيى، يشعر ان ما أصابه -من إحباط- هو نتيجة لحالة تغيير إجتماعى، أفقد المدينة رائحة الزمن..
"يحيى" و"نورا" و"قابيل" و"مومينا" و"كارلا" و"بيسة"، هما شخصيات الفيلم التى يقدمها لنا المخرج داود عبد السيد، متعددة وثرية، متماسكة، مرتبكة أحياناً، مشابهة، تختزن الألم والوحدة والحب.. نتلصص منها علي مجتمع منهك، وكأننا نقرأ رسالة من إنسان لا نعرفه.
المخرج "داوود عبد السيد" يمنحنا رؤيا جديدة للحياة والعالم من خلال فيلمه "رسائل البحر"، الذى يمثل عودة لسينما مختلفة وجديدة، إفتقدناها كثيراً، والتي يراها -عبد السيد- هى نتاج للسينما القديمة، والتي تحمل جزء كبير من ذاتية المخرج، لذلك فإن أغلب افلامه قام بكتابتها، ربما لإدراكه وإقتناعه من كونه الشخص الوحيد الذي يستطيع التعبير عن افكاره.
Nesrin El Zayat - نسرين الزيات